| ]






هذه الأيام، تناقل الناس خبرا عن رجل خطب منه آخر فذهب يسأل عنه في حيه حتى سأل عنه العمالة فذكروه بسوء، فلم يزوجه.
وكان سؤاله هذا أمارة عقل.
فإن الأخلاق تنكشف هناك في التعامل مع الضعفاء والخدم والفقراء والأيتام والمساكين ممن ليس لهم قوة يدافعون بها عن أنفسهم، ولا يملكون مطمعا أو مصلحة يلهث الآخرون خلفها.

كثيرا ما كان يأخذني التأمل في ذكر "الماعون" في سياق السورة، ولماذا دخل أمر من أمور الحياة المعيشية مثل منع إعارة الماعون مع الأمور العبادية كالصلاة؟!

وكأنها تشير إلى صور من التناقض الصارخ لمفهوم العبادة، والإدراك الأحول المشوه للدين والشريعة.
فقد تجد من يبذل الأموال الطائلة في فكاك رقبة لأن المشارك فيها يتم الإعلان عنه بمفخرة بين الجماعة بينما تجده نفسه يقصر ببذل مبلغ زهيد جدا لتفريج حالة تتوقف عليها حياة مريض - من الجماعة نفسها - ولكنها لم تأخذ ذات الزخم الإعلامي.
والماعون الذي يطلبه منك جار أو قريب في أمس الحاجة له، في لقاء ثنائي على عتبة الدار، في زقاق منعرج بعيدا عن أعين الناس، ليس كإنفاق في مجلس يشهده علية القوم، أو في مجمع يرى الناس فيه عملك.
هنا تظهر الأخلاق التعبدية على حقيقتها.
نعم الأخلاق التعبدية.
فالأخلاق كلها عبادة، والحياة كلها عبادة، وإن العبادة هي كل عمل يرضي الله في الحياة من عبادات ومعاملات.
وهنا إشارة إلى أن الإخلال بالأشياء الحياتية البسيطة عن شح هو من المنكرات الأخلاقية في طبيعة الإنسان، وكان من المفترض على المصلي أن تنهاه صلاته هذه عن الفحشاء والمنكر، لولا أن هذا المانع للماعون كان يلبس ثوب الصلاح أمام الأعين ويرائي به، فيما ينزعه هناك مع الضعفاء فيدعّ اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ويمنع الماعون، وينزعه هناك حين يغيب عن وجوه القوم وعليتهم، هناك حيث لاعين ترى ولا ذكر يذاع ولا عدسة ترصد.
وكان على المؤمن أن يكون فطنا ذكيا حيال هذا.
هذا الذي يصلي وتراه في أحسن صوره، وينفق ويتم الإعلان عن إنفاقه، لا يكفي لأن تحكم عليه من هذه الصور التي ظهرت لك عليه، وإن البسطاء هم الذين تأخذ ألبابهم تلك الطنطنات الفارغة، ولهذا ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليعيد الموازين فسأل أصحابه عن رجل فقالوا: حري إن نكح أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وقالوا عن الآخر: حري إن نكح أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، فقال: هذا خير ملء الأرض من مثل هذا.
وحين سئل عن أمر خطبة لم يذهب بعيدا في وصف صلاته وقراءته، وإنما وصف الأول بأنه صعلوك لا مال له، والآخر بأنه لا يضع العصا عن عاتقه.

هناك مثل عامي مشهور يقول ( قالوا للحرامي احلف قال جاك الفرج! )
وهم يعنون أن الإنسان المراوغ المتمرس على اللصوصية والادعاء والكذب والتمثيل يسهل عليه ارتداء اللباس الشرعي مع نية فاسدة وقصد خبيث ولامبالاة فجة، ويسهل عليه تمثيل الصلاح لمسافات معينة.
وقد يمكن تحوير المثل ليكون ( قالوا للخاطب نبي نسأل عنك إمام المسجد وشيوخ القبيلة قال جاك الفرج! )