| ]

         




     يطلق عليه صديقي ظاهر "الكنترول الاجتماعي"، بيني وبينكم، لم أستطع إخفاء إعجابي بهذا المصطلح لحظة تزحلقه بين شفتيه، " الكنترول الاجتماعي ". استطرد، فيما بقيتُ ألوكه وأتطعم به كحلوى مكتنزة. إطلاق من ذلك النوع الذي يعجبك. لدرجة ترغب معها خوض أقرب حوار لتتحذلق به :) .
     
      في مجتمعنا -غالبا- نفكر بالعقل الجمعي، ونختار بالذوق الجمعي، تستطيع معرفة الحقبة الزمنية من مخطط البيت وشكله ولونه، معرفة ميلاد الشخص من اسمه ، إن غالب الناس يفكرون بالعقل الجمعي، ويختارون - تحت تأثيره - مخططات البيوت وألوانها ، أسماء الأولاد والبنات، الدراسة واختيار التخصص ، الوظيفة ، كثير من طرق التفكير والعيش تتشاكل في مجتمع متلاصق، بعقل واحد.

     هذا الاعتماد على تفكير الآخرين، والخمول في الابتكار والتجديد، جعل من العزيز تمحيص الآراء والأفكار والثقافات، وحتى الأذواق. فكان التوارث لها بكل سهولة. لو سألت أحدهم عن أشعر الشعراء لقال لك: المتنبي. بينما لم يقرأ له ولم يقرأ لغيره! ولو سألته عن كاتب لقيّمه لك نقلا عن تقييم الشباب له في الاستراحة! وربما لم يقرأ أحد من هؤلاء الشباب الذين في الاستراحة لهذا الكاتب! ولكن واحدا منهم - لديه كاريزما - نقله لهم من زميل له في عمله، وهذا الزميل بدوره قد نقله عن صديقه ! .. ويظل هذا الرأي، وهذا التقييم، تتناقله الدوائر، تماما كتلافيف الدماغ في عقل جمعي، حتى يصبح رأيا بديهيا، وحكما مفروغا منه! فيما لم يكلف أحد منهم تفكيره التحليل بنفسه. حتى يصبح من الصعب الخروج عن هذا الفلَك. والوقوف مقابل هذا المد الجارف، ونعود أدراجنا إلى تأثير الكنترول الإجتماعي الضاغط. حتى ليقول أحدهم لفكرتك: من يقنع الناس؟ 
     في حقبة مضت، ظل أحدهم يعلق ساخرا : لفترة .. ظننت أن الكرسيدا توزعها الأوقاف على أئمة المساجد! وماكان ذلك إلا من هذا، ولكن الناس لايشعرون. هذه المشاكلات تكثر في المجتمعات المترابطة،  الأكثر تواصلا، وصلة، ستجد نوعا من السيارات كثيرا في بلد معين عن آخر، ستجد أكلة معينة، ستجد اسما، لا بد أنك ستجد شيئا متوارثا، إلا من ثائر على هذا الكنترول، أو اثنين، يخرج برأيه، ويبتكر تجديده، فيسخرون منه، ويمضي الزمن، فيتشربون فكرته، فيطبقونها، فيتوارثونها هي الأخرى!

     ولقد تصبح عادة لا فكاك منها، دون أن يعرفوا سبب نشوئها، يُروى عن سلطان تولى مجددا فدار في القصر ورأى جنديا في باحته تحت الشمس بلا سبب! فسأل، فلم يعرفوا إلا أنها من الأوامر العسكرية المعروفة في القصر. بعد التحري وجدوا الجواب لدى جدة السلطان، حيث أخبرت بأنه في زمن سابق، كانت هاهنا وردة تحبها ابنة السلطان، ولأهمية الحفاظ عليها جاء الأمر بالتوقف الدوري من أجل سلامتها من العابرين داخل القصر، لقد ذهب السلطان، وذهبت ابنته، وماتت الوردة، وبقي الأمر والعادة :)

     قبل أن أذهب. اسمحوا لي أن أزحلق بين شفتي كلمة صديقي ظاهر: " الكنترول الاجتماعي " :)