| ]

    


    
     إني لأعجب من نزوع الناس لاعتقاد طي الصحف، ورفع الأعمال، وكتابة المقادير، نهاية كل عام هجري! فيما ليس لنهاية التاريخ الهجري علاقة به!
    لقد وقته الفاروق رضي الله عنه لمعرفة الحساب، واصطلح هو والصحابة على أن يكون يوم الهجرة بداية ميقات التاريخ، فهو بهذا المعنى العظيم، والارتباط السامي، يعتبر بداية لانهاية، بداية حضارة إنسانية مشرقة لهذا العالم المظلم المتخلف.
    ولكننا في الشرق عاطفيون. تؤثر فينا النهايات، وغروب الأشياء، والحلقة الأخيرة، فنخلق من اللاشيء فرصة لاستدرار العطف، وطلب المسامحة، والعفو.
    أما نهاية وبداية السنة فهي إلى ليلة القدر أقرب، يقول تعالى "فيها يفرق كل أمر حكيم" قال السعدي رحمه الله " ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة " ا.هـ
    ناهيك حين يوافق ذلك آخر جمعة، وآخر ساعة، ستجتمع فيها مناحة كربلائية بشحنة من الدعوات لاستدراك اللحظات الأخيرة في تبييض الصحف التي بدأت تطوى!
    وماطويت، ولكن الجاهلين همٌ
    إن عظمة هذه اللحظات مرتبطة بخطى ذلك الرجل العظيم، وهو يسارع نحو الغار، حاملا في صدره رسالة النجاة لهؤلاء الذين يطاردونه  يسرع الخطو، برفقته صاحبه الصديق، في جوف المخاطر، والعالم من خلفه مخمور، يرغي ويزبد، في يده السيف يبحث عنه، في هيجان ملتاث، ليس لجريرة اقترفها، ولا لجناية اجترحها، سوى أنه يأمرهم بما هو أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم.
    رجل في سن الثالثة والخمسين، ينادونه منذ صغره: الصادق الأمين!
    شريف بينهم، كريم عليهم، رحيم بهم.
    لكنه يخرج الآن متخفيا، وقد خلف أهله، وترك وطنه.
     ذلك كله يفعله لأجلهم، ليأخذ بحجزهم عن النار.
     سوف يعود.
     سيعود بعد أن يشجوا رأسه، ويكسروا رباعيته.
     سيعود وينتصر عليهم، ويملك القرار على رقابهم، فيعفوا عنهم، ويقول برحمة العظماء: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

    إنني لاأجد للعرب مفخرة هي أعظم من هذا النبي، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليهأصدق إنسانية، وأروع خلقا وتحضّرا
     والله يعلم، ماقلبت سيرته ** يوما، وأخطأ دمع العين مجراه* 

     اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وجميع خلقك، أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء. ليلها كنهارها. لايزيغ عنها إلا هالك.