| ]

·         



     كنا زملاء دراسة، تخرجنا، وانخرط كل واحد منا في عمل مختلف، بعد عشر سنوات التقيته في محل تجاري، تصافحنا وطفق يعاتبني على الانقطاع! معقولة؟! منذ عشر سنوات لم نتقابل فهل يليق أن نحول هذا اللقاء إلى عتاب؟! هذا العتاب الذي من سبق إليه صار أحق به، وأبرأ من خطئه، ولو كان مشتركا! قلت له: ياصاحبي، حينما رأيتك فرحت. وهذه ساعة مباركة. أنت مشغول في حياتك، وأنا مشغول في حياتي، نحن نحب بعضنا، وكلانا معذور، وقد نتفرق - لظروفنا - فلا نتقابل إلا بعد عشر سنوات! فهل يليق بنا أن نملأ هذا اللقاء، العابر القصير، بالعتاب؟! لم لانجعله لقاء فرح، واطمئنان، ودعاء؟! توادعنا على خير. وجعلت أتأمل. في المرحلة المتوسطة كان لنا أصدقاء، وكنا نظن أن الحياة ستخلدنا معا، ونختتمها بهم معا، ثم انتقلنا إلى المرحلة الثانوية، في تجمع أكبر، ومكان مختلف، فتلاشت صداقة المتوسطة، وطمرت تحت صداقة جديدة في الثانوية، وظننا أن هذه الأخيرة لن تنقطع. وإذ بنا نودع مجتمعنا الصغير هذا إلى عالم أكبر، عالم الجامعة، خليط من بلدان وأقاليم شتى، في تخصص واحد، فتشكلت صداقات جديدة، وجعلت ألوان صداقات المراحل السالفة تميل للخفوت، وظننا أن هذه الأخيرة هي الخيار الأبقى. ثم تخرجنا، وتفرقنا، وذهب كل منا في اتجاه بعيد في عالم الوظيفة. وبسبب اختلاف أماكن العمل، وتباعدها، صرنا لانرى بعضنا بشكل تام، ولأننا بحاجة إلى أصحاب يشاركوننا المدينة ذاتها، والعمل نفسه، فقد بدأت تتشكل لدينا معارف جديدة، وتنشأ وشائج صداقات أخرى. وتراخت صداقات الجامعة، فضلا عن المراحل قبلها، كان ذلك يحدث في كل بيئة عمل ننتقل إليها. وإنني بعد هذه المنعطفات، بعد هذه المراحل كلها، بعد لقائي في كل مرة بأحدهم فيقتنص العتاب على التقصير والانقطاع، أقف متسائلا في نفسي: هل يمكن أن نسمي هذه العلاقات صداقة؟ ماهي حدودها؟ هل لها وعليها حقوق؟ أم هي زمالة اقتضتها التشكيلات المدرسية حسب الترتيبات الأبجدية للأسماء؟ عندما ذكر الله آداب دخول البيوت للمعارف، كان التعداد بصيغة الجمع، فلما وصل للأصدقاء قال " أو صديقكم " استنبط المفسرون أن الصداقة بمعناها الحقيقي نادرة جدا. لو كان كل من صحبناه في دراسة، أو عمل، أو سفر حج، صديقا، لفنيت أعمارنا في تأدية الحقوق. فياأيها الناس رفقا بالناس. ذا وإنني لأقول: الله وحده يعلم أنني أحب الخير لجميع من عاشرته دراسة، أو عملا، أو سفرا، وإنني لأدعوا لهم، وأذكرهم بالخير، وأفرح عندما ألتقيهم، وإنني لأرجو أن تتحول لقاءاتنا العابرة إلى لحظات سلام واطمئنان، وذكريات باسمة، ودعاء بالخير، ووداع بحسن اللقاء. والله المستعان.