| ]

·      




        إن عيون الظباء تخونها في الظلام. الآن .. سيكون اصطيادها سهلا. قالها عبدالحق وهو يوظب بندقيته، فيما كان ضوء النار يلمع في جبينه النحاسي. تحت تلك الشجرة، في ذلك الغور القصي من أحراش قبائل الماساي الأفريقية، في المنحدر من الكرة الأرضية. هاه مارأيكم؟ ابتسمنا، والتقت أعيننا الناضحة بروح المغامرة، قام عبدالحق وحمل البنادق، وقام الخريت أكيلي ولبس قميصه المزركش، وقام السائق محمود نحو السيارة، وركبنا ثلاثتنا في القمرة الخلفية. خرجنا من بقعة الضوء تحت الشجرة، ودخلنا للأحراش بمحض إرادتنا، في الليل، والظلام، والمجهول. لم نكد نتجاوز مسافة بعيدة حتى سنح لنا قطيع من الظباء يتقافز وسط الحشائش، خف السائق نحوها، وامتلأت نفوسنا بالفرح، لم تكن مرتبطة بطريق، وكان يلزمنا الطريق، ولم تكن لها شجرة تحتها خيمة، وقد خلفنا خيمتنا تحت الشجرة، ولم تكن بحاجة إلى خريت، وكان خريتنا أكيلي الذي أوردنا المهالك. نسينا أنفسنا ونحن نطاردها ساعة أو أكثر، كلما سلطنا عليها الضوء أسرعت نحو الظلام، لم ندرك أننا ابتعدنا كثيرا. بعد طراد طويل اقتنصنا واحدة. غاب القمر، واشتدت الظلمة، وتكاثرت النجوم في السماء كأنما لها صوت جمهور في مسرح روماني. قررنا العودة. ولكن الطريق اختلف علينا. لم نصل في الوقت المقرر في رأس أكيلي، ولم تظهر لنا بقعة الضوء تحت تلك الشجرة، لا من قريب، ولا من بعيد! بدأت الأمور تزحف نحو الورطة. الجمهور في المسرح الروماني يتكاثرون. أكيلي يكثر التلفت نحو الأشياء بغية التعرف عليها. بلغة سواحيلية تغيرت نغمة صوت عبدالحق وهو يكلم أكيلي. هذا الخريت الكاثوليكي الأسود، أمضى سحابة نهاره يملأ بطنه من لحم الغزلان، ويسبح في النهر القذر عاريا. نعم. يؤسفني أن أخبركم بأن أكيلي سبح ظهر اليوم عاريا. لاتسألوني عن شيئ وراء ذلك. نزع ملابسه وقفز للنهر كما ولدته أمه. قطعة من الليل تعوم وسط النهار. لولم يورطنا لما أخبرتكم. ظلوا يتحدثون وظلال شخوصهم يمتد على قصب الكوخ. بعد لأي كأنما فهم شيئا. صار يتحدث وهو يلوح بيده. قلوبنا معلقة بعيوننا، وعيوننا معلقة بيده التي تهوي ملوحة يمينا وشمالا. عادوا أدراجهم وسلكنا طريقا مختلفا ولكن دون جدوى. بعد ساعة قال عبدالحق لنقف. سننزل هنا حتى بزوغ الفجر. في البعيد، هناك ضوء يرتعش، قال عبدالحق لنذهب إليه، إما أن تكون خيمتنا، أو نسأل من يدلنا. نقترب شيئا فشيئا ونحن نعلو ونهبط في الطرق المتعرجة. ياللخيبة. إنه كوخ من القش والقصب. برز لنا رجل أفريقي يتكيء على رمحه. ترجل له عبدالحق وأكيلي. تحدثوا وهز رأسه في هيئة من يقول لاأدري. بقي محمود تحت المقود، وتسلل أكيلي بين الأشجار، بينما بسط عبدالحق رداءه على الأرض، وتكور حول بندقيته، رأسها تحت خده، وعقبها بين ركبتيه، ودخل في نوم عميق. أما نحن الثلاثة فلم نتحرك من أماكننا داخل القمرة. لم تبق نجمة لم تحضر للمدرج. صارت ترمقنا مباشرة. الأشجار تمتد وتتطاول. صمت كل شيء. يئز صرصار الحشائش، وبوم الشجر. في هذه الدقائق المبهمة المشوشة انفجرنا بالضحك. في جوف كل ورطة ثمة لحظة منفلتة ترغمك على الضحك. صاحبنا الممتلئ اللحم، الرقيق الشحم، قلنا له سيبدؤون بك أولا. وأنا لو كنت أسدا، أو من آكلي لحوم البشر لبدأت به. يخيل إلي أن لحمه لذيذ.  وعندما بزغ الفجر، وأشرقت الشمس. جرى كل شيء على مايرام.