| ]

‏في قصص القرآن مايأخذ بمجامع القلوب، لو عشنا تفاصيلها، وذهبنا بخيالنا في عمقها أكثر، كأنما تجري لنا.
يوسف في الجب.
هل عشتَ يوما في جُب؟
‏لنذهب هناك، في العراء، حول فوهة الجب، وفتى يطوقه اخوته بعيونهم التي تنوي شيئا، اخوته الذين قالوا اخرج معنا نرتع ونلعب! ينقطع الضحك منهم فجأة.
‏يلتفون حوله ويمسك به أحدهم، المطلب غير واضح، والمقاومة لاتجدي شيئا، هل جربت أن يلقيك أحد في جب؟ في غيابة جُب؟ غيابة، ليس لتجربة أوتحدي.
‏إنما لإقصائك من هذه الحياة، اخوتك هم الذين يفعلونها الآن، تتلمس في غيابة الجب، ماثم إلا حصى، وزواحف كامنة، ووحدة، وظلم، ومستقبل لايدرك كنهه.


‏ونوح، ينحدر في الطريق، على عاتقه الألواح والدسر، في أرض يباس، يقابله جماعة من قومه فيضحكون، ويصنع الفلك، ينجر ويطرق ويتساقط منه العرق.

‏وفي لحظة غير طبيعية، يفور التنور بماء، وتنهمر السماء، نوح منشغلا بحمل أهله ومن آمن معه والحيوانات الخائفة، وسط المطر والوحل والناس الهاربين.

‏المشهد يتفاقم، هزيم رعد، وبرق يخبط الأرض، فيلمع الماء الذي التقى وفاض، والسفينة التي تحركت وارتفعت، والموج يتعاظم كالجبال، هادرا كأني أسمعه.

‏وخلال الفزع، والذهول، والجلبة، واللحظات السريعة الحاسمة، يلمح نوح ابنه، منعزلا، فيناديه: 

- يابني اركب معنا

- سآوي إلى جبل يعصمني من الماء

‏- لاعاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم

ويحول بينهما الموج المرتفع، ويستقر وقد أخذ الإبن معه في الهالكين، وتعود السفينة تجري بهم من جديد.

‏أحداث مدلهمة متسارعة.

تُقلع السماء، وتبتلع الأرض الماء فيغيض، ويهدأ الكون، وترسو السفينة على حافة الجبل، يأز فيها الصاري ويسكن خفق الشراع.

‏ويهبط نوح عليه السلام، شيخ وقور تجلله المهابة، وأهله، والقليل الذين آمنوا معه، وتهبط الحيوانات المبللة واحدة واحدة.

وتبدأ الحياة من جديد.


‏ويونس، ذو النون، يخرج مغاضبا من قومه، يقطع ثبج البحر في ركب، فيلمّ بهم عاصف، ويموج البحر من تحتهم، ويخف المركب، فترتفع أصواتهم، يختصمون.

‏ثم بعد اللغط يقررون التخفف من أحدهم في عرض البحر، وقاموا يستهمون، اجتمعوا تخفق قلوبهم، هل تخيلت يدك تمتد في قرعة أحد خياراتها الموت؟

‏ويخرج السهم على يونس، يلتفتون إليه، يحدث لغط جديد، فيعيدون الكرّة، ويخفق الأمل، وتكون من نصيبه، والثالثة الأخرى أيضا، فيلتفتون إليه، ويلقونه.

‏في بحر ضخم عظيم مالح، ومصير مجهول، يلتقمه حوت، ويستقر في جوفه، هل جربت العيش في بطن حوت؟ تخيّل.

في الغلس، واللعاب اللزج، والرائحة، والظلام.


‏وعيسى عليه السلام في جمع، وذلك الرجل يسألهم فسح الطريق له وللأكمه الذي يقود، يقعد بين يديه، يتأمله عيسى ويمسح عليه فتتكشف له الدنيا شيئا فشيئا وتظهر له الألوان، ثم يقوم مبصرا وسط الصخب، والضجيج.

‏يلتفت عيسى عليه السلام إلى كومة من الطين بين يديه. الناس من حوله تمتد أعناقهم وهم يتناكبون في لغط لمشاهدته. تتحرك يده بخفة، وتتنقل أصابعه برشاقة، ويصنعها على هيئة طير، يندهش الناس ويبتسمون وتعلو أصواتهم، يقترب منها عيسى فينفخ فيه فيطير. 

يعلو صراخهم ويخفقون متعجبين.


* كتبت هذه التأملات في مجموعة تغريدات يوم ١٧ مايو ٢٠١٤