| ]


 تلبّسنا الظلام، وهبطنا الوادي، ظهورنا مثل لوح الخشب شخوصا، أبوعدنان لايكاد يرى الطريق من أضواء السيارات، بقي على موروجورو مايقرب من ساعتين, ثمة ضوء أحمر يومض من بعيد، أعمال في الطريق، انحدرنا لطريق ذي وحل يشق الغابة، تخوض العجلات في المستنقعات وترشق الطين، برج العرب يُظهر حماسا، وسط الظلام، ومن بين الأحراش، استطعنا رؤية شاحنة ارتطمت بشجرة باسقة -حادث -ربما يكون ثملا قالها وهو ينظر من فوق نظارته -والسكارى يقودون هنا؟* نعم .. يقودون الشاحنات في الأغلب
– بعد؟!
- ويوجد في هذه الغابة أسود؟
- أكييد.
 لاندري لم ضحكنا! على المعلومة، على الورطة الكبيرة، أم على أبي عدنان!
ذلك يعني أن تكون لقمة سائغة لسباع الغابة مع أول عطل في السيارة! الوحل شديد، وسائقنا ظهر عليه الإعياء، ضعف نظر وارتباك حيال الأضواء القادمة.
اتفقنا أن يقود أحدنا، واختلفنا كيف تكون عملية التبادل، ومن الذي سينزل في هذا المكان، هناك مشكلة أخرى، مقود السيارة في الجهة اليمنى خلافا لنا، يضاف لذلك أن القيادة في المسار الأيسر، في الليل والوحل والسكارى، نوع من المغامرة أشبه ماتكون بالتحدي، اتفقنا، قفز أحدنا، ونام أبو عدنان بالخلف، لم يكن السائق واحدا، كنا ثلاثتنا نقود، شاخصة ظهورنا وأبصارنا، تماما كأرانب حقل أدركت خطرا، صوت صرصار من بين الأشجار، وشخير سائقنا الموقر!
سيارتنا الهايلوكس تجمح كلما آنست منعرجا، مضى من الوقت ساعتان ولم تظهر لنا أنوار موروجورو، أو حتى قرية دونها، سوى من أكواخ قش هنا أوهناك.
الشاحنات بدت بازدياد، والسكارى، ذلك يعني أننا اقتربنا من مدينة، قال قائل منا: أيقضوه، يتبين الطريق، وينقطع الشخير، قام مفجوعا يتلفت، يتفرس، بصوته المبحوح راح يسألنا الأمارات، أكواخ القش، لوحة دعائية كبيرة صدئة، قلنا له: نعم، قال لنا: أبشروا .. نحن على أطراف موروجورو.
الوقت يضيق، ونحن لابد لنا من بلوغ الغابة فجرا، توغلنا في الأحراش، سار النحاة والقمر، بينما سرنا وصرصار الليل، والحشائش، وأبوعدنان، والرفاق..
 طرف الغابة،بلغنا غرفا مبنية يعرفها الصيادون، ألقوا بسطهم وراحوا في نوم عميق، وفيما نحن آيسين من النوم، أيقظونا عند الفجر من نوم لم ننم فيه!
سيارتان تخدان الطريق في منعرجات مغبرة، يعوم خلفهما غبار كأنما هما كرتان من اللهب تحت ضوء الشمس الأحمر وهي ترتفع شيئا فشيئا هناك في الأفق، نفد مضارب القبيلة الأفريقية، بيوتات متفرقة من طوب، وأعشاش من القش والقصب بأشكال هرمية، نذهب صعدا نحو شيخ القبيلة، سمر السحنات، حمر العيون، هذه هي قبائل الماساي، يتّزرون القماش المزركش، ويلقون أرديتهم كالمحرمين نحو عرس ما، وفي يد كل واحد منهم عصا يهش به على بقره، كل بقر الدنيا لهم، هذه ليست نكتة، هم الذين يقولون ذلك، يقولون إن البقر التي في الأرض كلها لقبائل الماساي، بقرتنا الحلوب وأولادها التوأم كانت لهم ونحن لاندري! يسوقون القطيع، ينحدرون في الشعاب، ويصعدون، تدندن أجراسها وسط الغابة، لاعليك، تلك أمة لها ماكسبت، وعليها ماكتسبت، ونحن لدى باب شيخ القبيلة، ومادمنا لدى الباب فإن كل البقر لهم، وهل يضر القول ونحن إذا انقلبنا فسننقلب لقوم تخاور في مشتاهم البقر! أخذ الشيخ الإتاوة، وأخذنا ختم الأمان
ارتفعت الشمس، تجاوزنا المضارب،أوغلنا في الشجر والحشائش، سنح لنا ظبي، أوبرح، لاأذكر، إنما اقتنصه أحدهم لنتصبح به، وأوقدنا نارنا تحت شجرة عجوز.
خيط من دخان القهوة يسري صَبَا، تنتعش له العروق، فيما كان الطاهي يعد لحم الغزال كان الرغيف الساخن على الحطب، والشمس تلمع في وجوههم يقهقهون.