| ]

ثمة لغة يدركها أهل الفن الواحد، تزداد براعتها كلما توغلت في التفاصيل الصغيرة، الفنون،  الحِرف، الصناعات، الشعر، السرد، النغم، الرسم، اللقطة الفيلمية، الصورة، الديكور، كل شيء، لي صديق يهتم بالمقاولات، عندما نكون في فندق يظل يقرأ لي سبب هذا التشكيل الهندسي أوذاك، يتحسس بعينيه الزوايا والأرفف والأسطح كما يتحسس الكفيف  بأصابعه لغة برايل، رددت كثيرا أن الأديب لايفهمه إلا أديب مثله، وكنت في بعض الأوصاف الدقيقة لراو أو شاعر أضحك وكأنه كان يكتب ذلك وهو ينظر إلي من وراء السنين ويشير باصبعه ويغمز قائلا : بالضبط!
كنا في طريق طويل ننصت لحداء لذيذ، كان مهندس الصوت بارعا، يضع النغمة حيث يجب أن تكون، وفي لحظة تراتبية توقف الرتم في سكتة كانت آذاننا تكملها بشكل طبيعي، انفجرنا بالضحك، هذا المهندس مجنون، أراد أن يقول لنا: أنا أعرفكم أيها المجانين، ياذوي الآذان الموسيقية المرهفة، أعرفكم حتى وأنتم في هذا الطريق الطويل!
إنها لغة لاتعترف بالوقت، لاتعترف بالعمر، تعرف سبيلها، هناك حيث التفاصيل، حيث يهتم الإنسان بشيء ويحبه وهو لايدري، حين يتحول جسده كله إلى عيون، إلى آذان، إلى أصابع، إلى ملعقة اسمنت، وشوكة جبس، ومقص بستاني، وقيثارة، وشيء من لغة تتشكل، تتبلور، وتعلق في عمر الزمن، يمر عليها الناس سادرين، حتى إذا مر بها ذووها اهتزت مثل أيقونة، وانجذب لها أهل لغتها وهم لايشعرون .