| ]

·        


      
       كنا في المدينة صباحا،  وحتى نصل إلى القرية كان يجب علينا أن نقطع تسعين كيلا تتعرج بين القرى والجبال، آثرنا مرافقة الأهالي فقررنا ركوب الباص. السائق يعرفهم ويعرفونه ، يقف في نهاية طريق فيركب شيخ معقوف الظهر. يتحدثون بلغتهم ثم يجلس في المقعد القريب منه ونسير.
يقف فيركب رجلان وهما يثرثران في حديث مهم. نحن لا نفهم لغتهم، لكنه يبدو كذلك، سرنا وهما مازالا يثرثران. 
يقف عند محطة الباص فيركب خليط من الناس يطلون برؤوسهم على الكراسي ويتحينون فيجلسون .
يتعرج بنا الطريق . ظل النهر كما لو أنه يلعب معنا لعبة ما, ينسل عن يميننا مرة، ثم يظهر عن شمالنا فجأة. مرة أخرى.
 نبلغ قرية صغيرة فينزل الشيخ ويلوح بيده للسائق كما لو كانت تتمة لاتفاق مبرم، يصعد زوجان شابان يقول العطر بأنهما حديثا عهد بزواج. يجلسان ونكمل المسير
الثرثاران لا زالا يتحدثان!
 يلتفت الشاب ويهمس في أذن زوجته، هل كانت زوجته؟ هل اتفقنا أنها زوجته ؟ لا ندري .. العطر والخجل قالا ذلك،  لا بأس. لنكمل المسير.  
نبلغ قرية أكبر من الأولى فينزل ركاب وتصعد امرأة برفقتها طفلان أحدهما ظل يلح لحاجة لا نعرفها، ترددتْ برهة فنهض رجل عن كرسيه وأشار لها ولأطفالها وهو يبتسم.
وقف في مكان، وتلفتنا نترقب، فلم ينزل أحد! ولم يركب أحد ! السائق نفسه نزل ومكث غير بعيد يتحدث مع حانوتي. ثم ركب وتحرك الباص واهتزت الرؤوس.
 لا تستعجلوا .. بقي عشرون كيلا حتى قريتنا، الطفل لا زال يلح على أمه ، الزوجان غارقان في الأحلام، على ذمة العطر ، الثرثارون لا يخجلون.
انخفضت سرعة الباص لدى منعطف. لاح لنا من بعيد عجوز من تحتها سلة من القصب فيها خضروات ملونة مابين الأحمر والأخضر، وإلى الجانب منها بيض بلدي، ستبيعها ؟ أو ستهديها ؟ لا ندري ! وقفنا. أسرع السائق فحمل السلة ووضعها في مأمن، ركبت العجوز بهدوء،  وجعلت تتلفت باحثة عن كرسي شاغر بهدوء. ثم جلست بهدوء أيضا ، وأكملنا المسير.
انحدر الباص عن الطريق بسبب الإصلاحات فتبرم الجميع،  وعلق أحدهم فتخلقت دوامة أحاديث نظمتهم مثل حبات عقد حتى إذا عدنا إلى طريقنا انفرطت وعاد كل شيء كما كان.

ثم. وبعد أن خضنا هذا كله. وصلنا القرية .:)