| ]



         كانت أمي رحمها الله كثيرا ماتقول وهي تنصت لإذاعة القرآن : "سبحان الله، القرآن واحد، ولكن القُرّاء يختلفون". يختلفون بالنية، وحضور القلب، والفهم، وتجويد الأداء. فتأملتُ .. وإذا ذلك قد يمتد لغير ذلك. فإن العلم واحد، يبثه كثيرون، فما ينتفع الناس إلا من واحد. لنيّته، وبركته. وفي باب الرزق أيضا. تكون البضاعة واحدة، والمكان واحد لدرجة المجاورة أحيانا، فما ينفك الناس يزدحمون على أحدهم دون الآخر، وقد يصطفون انتظارا له والآخر مشرع الأبواب. وربما سألوه: متى يفتح جارك؟ إن القرآن واحد، والعلم واحد، والبضاعة واحدة، ولكن الناس أنفسهم يختلفون. ذلك كله فيما يبدو للناس. أما مالا يبدو للناس فمايعلمه سوى رب الناس. عن قارئ هو أحد الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة. أو عالم يخشى الله خشية تعتمل هناك في نواياه فينضح بها لسانه وقلمه. أو صاحب حديقة مغمور والمَلَكُ يسوق له السحابة قائلا: أسق حديقة فلان. ثم تأملتُ. فإذا البركة قد تتأخر أحيانا لحكمة يريدها الله. ولقد ترى عالما مغمورا، أو كتابا مندثرا، فيقيض الله له من وراء السنين من يبعثه من مرقده، بتحقيق، أو شرح، أو رسالة علمية لنيل درجة، فمايزال يتعاظم، ويضوع عطره في الأرجاء، وينتفع الناس به، بعد تلك الغَيبة المنسيّة.  ولربما جاءت البركة بطريقة عكسية، هي أدق من أختها، فترى العالِم راقدا في قبره، متروكا، حتى ينبعث له مشؤوم فما يزال يشنع به، ويسبه، ويفتري عليه، ويخوض في نواياه، شيئا لاتملك حياله إلا أن تقول: سبحان الله! لعلها درجة في الجنة كان يستحقها فما يبلغها إلا بذلك. والله المستعان.