| ]






في صبيحة عيد الأضحى - قبل ما ينيف على ثلاث سنوات - تم شنق الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، وقبل أن يلف جثمانه ويوارى كانت مئات المواقع الإلكترونية تتناقل اللحظات الأخيرة لإعدامه بالصوت والصورة ، ما استوقفني في الموضوع أن الحدث بكل نواحيه تجاوز الحواجز الإعلامية الكلاسيكية ونفذ إلى العالم بوسائل الإعلام الإلكتروني الجديد ، فقد تم تصويره بعدسة هاتف نقال ثم أدرج في شبكة الإنترنت ولا تسل عنه بعد ذلك وقد طبق الخافقين .
أما شوقي فيقول :
لكل زمان مضى آية ** وآية هذا الزمن الصحف !
فأي آية هذه التي تتحدث عنها يا أحمد ؟
لقد كانت مجازفة غير محسوبة من أمير الشعراء وهو يعلن إعجابه وتعجبه لهذه الوسيلة دون أن يحسب حسابا لعالم رقمي سيجيء بعده ينظر إلى هذا البيت بعين الرحمة وربما التندر !
وماذا لو سألتكم أنتم : ما هي آية هذا الزمان ؟
أما حينما يتوجه السؤال إلي فإنني - بكل تأكيد - لن أجازف وأحكم كما حكم شوقي في العصر الحديث ! وإنما سآخذ الموضوع من وجهة نظر الجاهلي عمرو بن كلثوم ! حيث يقول:
وإن غدا وإن اليوم رهن ** وبعد غد بما لا تعلمينا
إنما في طرف من الأرض أطفال قاموا بمحاكاة حادثة شنق صدام ، وتقاسموا الأدوار ، وقاموا بتوثيق الملهاة المأساة بعقولهم الغضة وأجسادهم الصغيرة ، وهذا من شأنه أن يثير سؤالا يتأكد طرحه لدى المؤسسات الإعلامية المتخصصة ، أين يقف النشء وسط هذا العالم الإلكتروني الجديد ؟
في دراسة أجريت "يؤكد علماء النفس أنه كلما ازداد عدد الحواس التي يمكن استخدامها في تلقي فكرة معينة أدى ذلك إلى دعمها وتقويتها وتثبيتها في ذهن المتلقي, وتشير بعض نتائج البحوث إلى أن 98 في المئة من معرفتنا نكتسبها عن طريق حاستي البصر والسمع وأن استيعاب الفرد للمعلومات يزداد بنسبة 35 في المئة عند استخدام الصورة والصوت، وأن مدة احتفاظه بهذه المعلومات تزداد بنسبة 55 في المئة.ولهذا فإن التلفزيون يأتي - في علم التربية الحديثة - بعد الأم والأب مباشرة " *
لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إنه تحول إلى ما يشبه التلفزيون التفاعلي الحي ، وأصبح صنع المشهد ونقله للآخرين في متناول الجميع ، وهذا يعني أن الفضاء سيكون ممتلئا بالمبادئ والأفكار والرؤى والغرائز والطبائع والأخلاق ، وربما الفوضى بكل صورها ، وهذا يجرنا إلى التساؤل عما إذا كانت هناك قوانين دولية تحمي النشء من كل ما يهدم ويشوش ويفسد ولا يصلح .

كما أن على عاتق التربويين من الآباء والمعلمين كفل كبير في تجلية الطريق للأبناء ، وتعويدهم على الاختيار والنقد والتمييز والتعامل مع هذه الوسائل بإيجابية تطور الذات وتنمي المهارات وتلتقط المعلومة دون الانحدار في مرتكس مبادئي أو أخلاقي ملتاث .
إننا أمام جيل رقمي يتجول في عواصم العالم ويدخل في دهاليز البيوت ويشتري ويبيع وهو داخل غرفته الخاصة ، ويسمر الواحد منهم يوميا وهو على سريره في المشرق مع صاحبه الذي في المغرب حيا على الهواء !
كل هذا وأكثر في ملكوت رقمي نفاذ وسهل .
كدت أن أجازف وأقول بأن هذا من آيات هذا الزمان ! ولكنني تذكرت صحف شوقي فبلعت ريقي وأحجمت ، لأنني أخشى أن يأتي أولادي يوما – ولن أقول أحفادي ! - فيقرؤون ما تعجبت منه في زماننا فيضحكون ويقولون :
رحم الله أبانا .. لم يكن يتوقع أن يأتي زمان يكون فيه كل إنسان ملكا لهذا العالم !