| ]



كنت منهمكا في شرح الدرس ولذا فقد اكتفيت بإصمات الرنين المتتابع من هاتفي الجوال ..
من عادتي أن تظل المكالمات التي لم يرد عليها في الخزينة لحين الإستعداد النفسي .. والاستعداد النفسي للإتصال بالنسبة لي يكون غالبا في الطريق الطويل بينما أقود السيارة عائدا من المدرسة ..
الرقم الذي ظهر على الشاشة كان غريبا نوعا ما ..

لم يكن من محفوظات هاتفي .. ومفتاحه يشي بأن مصدره من العاصمة الرياض .. وفي الرياض العاصمة كثير من المؤسسات والمراكز التجارية والعلمية والإعلامية ..
ومما زاد من هيبة الرقم لدي أن عليه مسحة مميزة حيث تتشابه كثير من أرقامه وتتجاور ..
هل أتصل به ؟
الهاتف في يدي ..
المكالمات التي لم يرد عليها ..
خط مظلل على الرقم ينتظر مني اعتماد الاتصال ..
وإبهام يدي اليمنى على الأيقونة الخضراء من الهاتف ..
قبل يومين فقط كنت قد أرسلت مقالا منمقا لثلاث صحف ذائعة .. هذا المقال كتبته في حالة غير عادية من الحماس ولذلك فقد كانت كلماته حمما من الحمم كل واحدة منها تنظر إلى القاريء بعينين لاسعتين .. أعدت صياغته أكثر من سبع مرات تقريبا .. الذي أغاضني وجعلني أكتب المقال بهذه الطريقة وضوح الخطأ لدى الكاتب الذي قمت بالرد عليه .. يتحدث بكل برود عن التعليم وينتقد انتقادات هوجاء لصور شاذة في
الواقع التعليمي الذي نعيش فيه ..
قد يكون هذا الرقم لقسم التحرير في واحدة من تلك الصحف يرغب في الحوار معي حول المقال ؟! أو ربما عرضوا علي الانضمام إلى فريق التحرير ؟ .. كدت أن أعطي أمرا بالاتصال ..
رفعت رأسي نحو الأفق البعيد خلف زجاج السيارة .. السراب يتراقص فوق الحشائش الصفراء المترامية على التلال بكل صمت ..
وإبهامي مازال متكئا على أيقونة الاتصال الخضراء .. ولكنني لم أعطه أمرا .. حيث كانت علامة استفهام تتخلق بين تلافيف الدماغ ..
من يدري ؟
ربما كان هذا الرقم لمركز شركة الحاسبات الدولية ؟
قبل عام .. وعندما أخذت أكثر من جهاز حاسوب من هذه الشركة كان الاتفاق يقضي بأن يتم التسديد بطريقة الأقساط الشهرية .. عشرة أشهر وأنا أجهز المبلغ قبل الموعد المحدد للسحب .. لم أتأخر في واحد منها .. ولكنني لشهرين اثنين لم أفطن إلى أن الحساب الذي يتم منه السحب لم يكن مشتملا على مبلغ القسط !
كم أبغض هذه الأقساط الشهرية .. يدعونك وهم يبتسمون .. ثم يدللونك وأنت على كرسي العرض .. وتقوم بالتوقيع .. ثم يلاحقونك مثل سائس العربة !
مر علي شهران ولم أسدد !
ترى .. هل يكون هذا الرقم لموظف التحصيل في المركز الرئيسي للشركة ؟
مددت يدي إلى فتحة المكيف ووجهتها إلي رأسا ..
الحرهذه الأيام يعانقك في كل مكان ..
وعدلت نظارتي الشمسية ..
أهاا ..
الحركة نفسها كان قد قام بها ابن عمي في الرياض .. عندما اتصل بي ضحى أحد الأيام وأبلغني أنه سيكون في منزلي بعد العشاء ..
حينها .. تناولنا هو وأنا مع بعض الأخوة وجبة العشاء وكانت على مايرام ..
لم لا يكون هو صاحب الرقم ؟
يلزمني إذن أن أتصل بزوجتي وأستنفرها ثم أنتظر رسائلها المتتابعة فيما تحتاج إليه لوجبة العشاء .. الزوجات دائما يكتبن رسائل الطلبات بكل ارتياح بينما الأزواج في الأسواق الكبيرة ينتقلون من قسم الأجبان إلى قسم اللحوم إلى قسم الخضروات .. ثم تعود بك الرسالة أخرى إلى قسم الأجبان !!
فكرت مرة أن آخذ زوجتي بعد أن تكون قد ملأت ثلاث رسائل بالأغراض وأعطيها عربة وأجلس على الكرسي وأشاهدها وهي تركض في كل اتجاه .. حتى تعلم أن كتابة الرسالة لا يعني سهولة التسوق .. أو على أقل الأحوال ستتعلم فهرسة ما سأقوم باشترائه حتى يسهل علي ..
هل أتصل على ابن عمي ؟
قطعت نصف الطريق إلى المنزل ..
يجب على أن أتصل الآن لأتخذ بعض التدابير إن كان الأمر يقتضي ذلك ..
إبهام يدي اليمنى على أيقونة الاتصال الخضراء ..
اعتمدت الاتصال ..
الرنين في الطرف الآخر كان كألف دقيقة مما تعدون .. تتصاعد فيه آمال وتتهاوى فيه أحلام .. صور شتى تتسارع .. تتقاطع .. تتنازع ..
وجاء الصوت ثخينا بعد زمن لا أدري كم حسابه :
- هلا ..
- مرحبا ..
- هلا بك ..
- عفوا أخي .. أنت اتصلت علي قبل قليل؟ .. هذا الرقم ظهر في جوالي ..
- نعم .. نعم .. معي أبو عبدالرحمن ؟
- لا ..
- هذا جوال علي العبدالرحمن ؟
- لا والله يا أخي ..
- طيّب .. نأسف على الإزعاج ..
- حياك الله ..
!!