| ]


علي ؟
إذا كان الناس يمشون في سيرهم خطوة خطوة فإنه يمشي خمس خطوات في كل مرة ..
نحيل جدا .. وله شارب دقيق نازل مثل علامة تجارية لشركة زيوت ..
نصف أحول ..
أحد طرفي شماغه أطول من الآخر ..
نصف طاقيته في الهواء الطلق ..


ثم يأتي من فوقها الشماغ ومن فوقه عقال دقيق الحجم ومفتوح ..
طرفي سرواله منسدلان على حذائه تحت الثوب الأسود ..
طيب القلب وعصبي .. وكثير التدبير أيضا .. رأيته مرة ينظم السير في زحام أحد الأسواق !!
وفي آخر الشارع هناك النزيل الجديد أبوسعد .. رجل في الأربعين من العمر .. طبيعته البشرية من نوع الحركات الآلية الموجهة بمعنى أن النتيجة الوحيدة-بالنسبة له - للعملية الحسابية 1+1هي 2 دائما ! .. طيب القلب .. يثق في الناس جميعهم !
طرفا شماغه منسدلان دائما بشكل لافت .. يمشي منحني الظهر من جهة الرقبة وهو ممسك بطرفي شماغه .. ضخم الجسم .. وجهه مستديروبريء جدا .. شفتاه دائما مطبقتان وإذا أخرج الجواب عادتا بشكل سريع إلى مكانهما ..
ليس أكثر من علي -صاحبنا الأول- حاجة وفقرا إلا أبوسعد .. حيث يعمل بمرتب قدره 2800 ريال فقط
فجأة .. وفيما كان أبوسعد واقفا عند باب شقته التي استأجرها وقام بترميمها يحرك رأسه خلف العمال الذين يدخلون ويخرجون بشكل رتيب ويداه فوق بعضهما على سرته .. وقفت حياله بصورة عشوائية سيارة قديمة من نوع هايلوكس ذات قمرة واحدة أصدرت على إثر وقوفه سلسلة الكفر الاحتياطي السفلي جلبة وهي تندب حضها لثلاث دقائق ..
وتقدم إليه علي بهيئته التي ذكرتها لكم وهو يرفع سرواله من فوق ثوبه الأسود ويبتسم ابتسامة من وجد صيدا ثمينا يشبع فيه نهم تدبيره ..
- يالله حيه ..
- الله يحييك ..
- ماشاء الله جار جديد ؟
- نعم ..
- أثثتم ماشاء الله ؟
- لا .. الأثاث ما أثثنا .. اليوم العصر إن شاء الله ..
- طيب .. لم لاتشتري الأثاث الآن ؟ .. لماذا العصر بالتحديد ؟ لاداعي للتأجيل للعصر ..
- العصر أحسن لأني جالس عند العمال الآن ..
- طيب أنت تشتغل معهم ؟
- لا ..
- اتركهم يشتغلون واركب معي نشتري لك أثاث ..
- طيب .. سأخبر مدير العمال أني سأذهب ..
علي بجسمه النحيل متعلق بمقود سيارته يقود بحماس وأبو سعد يملأ باقي القمرة ووجهه متسمر للأمام وقد أمسك بالعروة المعلقة فوق الباب هذا يسأل وهذا يجيب .. كان أبوسعد قد عزم على شراء أجهزته الكهربائية من محل بيع المستعمل ولكن علي قال له كما لو أنه ريم بنت الوليد بن طلال :
-ياه .. مستعمل ؟ .. المستعمل ياأبو سعد كلها شهر وهو راجع بك لورشة الإصلاح !ومازال عليٌ به .. كلما استحضر أبو سعد جوابا مما كانت زوجته قد حاورته به دفنه علي برأيه ! .. حتى لم يبق في السيارة إلا مدبر واحد وانحرفت السيارة باتجاه أكبر محل لبيع الأجهزة الكهربائية في المدينة ..
- سجل عندك .. ثلاجة فالكون 14 قدم .. فرن ست عيون .. غسالة ..
كانت هذه الإملاءات من علي وهو منتصب الظهر على كرسي العميل ومتكيء على طاولة المحاسب .. المحاسب ذو الكرافيتة الزرقاء الأنيقة والبشرة البيضاء البضة .. بينما يجلس حياله أبوسعد في الكرسي المقابل وهو يهز رأسه في كل مرة كان ذلك بعد أن أخذا جولة سريعة في المحل كان فيها علي يتحرك برشاقة ويبدي آراءه بكل ثقة وسعادة ..
وحينما وصل في إملاءاته إلى الغسالة التفت إلى أبي سعد وسأله ؟
- هاه .. اتفقنا على الصغيرة والا الكبيرة ؟
- نسيت والله ..
- أنت كم اعيالك وأنا أعلمك ؟
- ستة ..
- ستة ؟ .. ماشا الله .. معك أنت وأم العيال بعد .. والتفت عليٌ إلى المحاسب وقال :
- يالله محل مغسلة ملابس ياولد .. وانفجر بالضحك .. لا .. لا .. خذ كبيرة وعسى !
قال المحاسب وهو يحاول حبس غضبه :
- أكتب إيه دلوأت ؟
- غسالة كبيرة أكيد .. ستة وهو وزوجته .. يعني ثمانية .. لا .. اكتب غسالة كبيرة ..
- وإيه كمان ؟
- مكنسة كهربائية .. وبرادة مياه .. والتفت إلى أبي سعد :
- أنت جربت مكيفات السبلت ؟
- لا ..
- أووووه .. شي والله .. عندنا بالمسجد تب .. خذ اسبلت والله ماتندم ..
- طيب ..
- أكتب إيه ؟ .. خلصونا ياقماعة ..
- سجل عندك يابيه .. ثلاث مكيفات سبلت من نوع LG قوة 18 وحدة ..
وقال علي وهو يجلس جلسة مائلة نحو المحاسب :
- كم صار حسابنا يازول ؟
نظر إليه المحاسب نظرة ساخنة وعاد يحرك أصابعه برشاقة فوق الآلة الحاسبة ..
- واحد وعشرين ألف وسبعمية وستين ريال ..
تقبل علي هذا المبلغ بشكل عادي والتفت إلى أبي سعد :
- معك واحد وعشرين ألف وسبعمية وستين يالحبيب ؟
- وابتسم أبو سعد ابتسامة لاشعورية وقال وهو يقلب يده ..
- لا .. مامعي ..
- إلا ماعلمتنا عن راتبك كم ؟
- ألفين وثمانمية
- بس ؟ .. التفت علي إلى المحاسب كما لو أنه ريم بنت الوليد وقال وهو يضحك : هذا مايجيب ولا جوال ياولد !
وجعل يحك ذقنه وهو ينظر إلى أبي سعد ويقول : هاه ؟ ثم التفت إلى المحاسب وقال :
- طيب يازول ..ماعندكم نظام تقسيط ؟
- نظر إليه المحاسب نظرة ساهمة اصطدمت بلامبالاة السيد علي وأجابه ببرود مفتعل : فيه .. ليش لا ..
وعادت أصابع المحاسب تتراقص فوق الآلة وبعد جمع وطرح قال :
- القسط 1265ريال شهريا .. لمدة سنتين ..
- ممتاز والله .. ايش رايك ياأبو سعد ؟ ..
- لا أدري .. أترى أن آخذ ؟
- أكيد .. ويمكن ماتحصل أفضل من كذا ..
وبينما كان المحاسب يطلب التوقيع من أبي سعد سأله علي :
- يمكن نسينا ! .. أنت عندك تلفزيون ؟
- عندي واحد صغير ..
- إحنا ماعندناش تلفزيونات يا أستاز !
- أهاا .. والتفت إلى أبي سعد وهو يقول : طيب .. ماعليش .. نمر على محل الأجهزة الالكترونية على طريقنا ..
وعند باب الشقة نزل أبو سعد وأطل برأسه من خلال نافذة الراكب المفتوحة على الدوام نحو علي وقال له وهو مسرور :
- ماقصرت يااخوي ..
- ماسوينا إلا الواجب ياعم!!